بقلم عدنان المنصر
خطوة إلى الأمام، ألف خطوة إلى الوراء. ذلك ما يبدو أن حكومة الانتقال العتيدة تفعله اليوم، بل منذ أيام. لكم وددنا أن تكون لهذه الحكومة أعذار فيما تفعل، وأن نكون إيجابيين تجاهها، ولكنها لا تترك لنا بأفعالها من سبيل سوى التحفظ الذي يتحول يتحول شيئا فشيئا إلى غضب ثم إلى رفض. هذه الحكومة، التي أضاعت وقتا ثمينا عليها وعلينا بإصرارها على التركيبة الأولى ، قبل أن ترضخ مكرهة على تحوير شكلها وتقدم لنا نسخة أخرى بدت لنا مقبولة إلى حد ما، لم تلبث أن سارت في الاتجاه المعاكس لإرادة الشعب. تمخضت الحكومة إذا فولدت ميليشيا، ذلك ما نقرأه في قائمة التعيينات الجديدة للولاة التي نزلت علينا منذ يومين. عشرون واليا من التجمع اللادستوري اللاديمقراطي أهدتهم الحكومة الانتقالية إلى الشعب، معولة على أنه لن يدرك مغازي ما دبرته له بليل. خرج التجمع من الباب تحت ضغط الجماهير الثائرة، وها هو يعود من كل النوافذ التي بقيت مفتوحة، بمباركة من كل أولئك الذين أصموا آذاننا بالحديث عن التجمعيين النظاف حتى كادوا يتسببون في نقص مواد التنظيف في السوق. نسوق إلى كل هؤلاء أسئلة لا نخالهم قادرين على الإجابة عنها لأنهم مستغرقون في حث الخطى لوأد كل تطلعاتنا في الكرامة والحرية:
- هل يعرف هؤلاء، ومن ضمنهم أولئك المعارضون السابقون، أنهم يعتدون على وعينا بالتسميات الجديدة؟ لم يفعلوا سوى فتح ثلاجة التجمع وسحب بعض الأسماء التي اعتقدوا أن التونسيين قد نسوها، ثم دعتهم إلى أداء يمين أداه بعضهم في السابق تحت زعامة سيدهم المخلوع، ثم حنثوا بها. نعم إنهم يعتدون على وعينا، يعتقدون أننا قاصرون يمكن استغفالهم مجددا، وأننا في سعينا إلى عودة الحياة إلى بلادنا، سنرضى بكل ما يقدمونه لنا. لم يعد الشعب التونسي قابلا للركوب أيها السادة وهو لن يكون بعد اليوم مثلما كنتم أنتم باستمرار، ركوبة عامة للاستبداد والتعمية والفساد. انسحب الحرس القديم من الواجهة، وحل محله الحرس الأقدم، وليس بالأقل فسادا واستبدادا. هل عقرت البلاد عن إنجاب من هو أفضل وأكثر نزاهة ومصداقية ونظافة؟ هم بالمئات ولكن الحكومة عمياء بسبق الإصرار والترصد. يستغفلوننا مجددا، يقدمون لنا الأطباق القديمة وقد قلب الشعب من قبل ذلك كل المائدة عليهم. أطباق باردة متعفنة، بعض الفتات الممرغ بالقهر والذل، وقد قررنا أن لا نأكل من فتاتهم بعد اليوم.
- هل يثق من هم في الحكومة اليوم، وبعضهم معارضون سابقون أحسنوا اليوم لبس البدلات الرسمية الجديدة ، أن الولاة يمثلون السلطة المركزية والتنفيذية في الجهات، وأنه يطلب منهم في المسار الجديد الذي نريد أن نصدق أنه جديد، أن يمهدوا الطريق أمام الانتقال الديمقراطي؟ هل من وردت أسماؤهم في التعيينات الجديدة قادرون على ذلك وقد تربوا جميعهم على ثقافة القمع والوشاية والتسلط والتزييف واحتقار الشعب وإرادته في إطار عصابة إسمها التجمع الدستوري الديمقراطي؟ هي إذا تعيينات على شاكلة حكومتهم، مع استثناءات لا نخالها كثيرة، لا تهدف إلا إلى إصابتنا باليأس. اللصوص يعودون دوما من النافذة، وقد تركت نوافذ كثيرة مفتوحة. طيلة كل الفترة السابقة تبنى بعضهم مهمة إقناعنا بأنهم أغلقوا كل النوافذ، وأنهم يحرسون بيت الثورة جيدا، وأن علينا جميعا أن ننام مطمئنين. طيلة كل الفترة كانوا لا يكترثون لمطالب الشعب ولا يسمعون لصراخه تحت نوافذ مكاتبهم، تلك النوافذ الوحيدة التي أغلقت بإحكام. لن يكون من سميتموهم في الولايات ولاة أمرنا بعد اليوم، فقد قررنا جميعا أنه لن يحكمنا فاسد مزور مستبد بعد اليوم. خذوهم إلى بيوتكم إن أردتم أو أتركوهم في ثلاجاتكم التي قررنا أن نلقي بها عميقا في البحر.
- من قام بالثورة وضد من؟ فلتجيبونا بصراحة نخالكم قد نسيتم اليوم، كالعادة دوما، كيف تكون، وبأية ألفاظ تنطق. لا تقولوا لنا أنه الشعب التونسي رجاء بل سموا الأمور بأسمائها: هل أنجز الثورة الفاسدون ضد النزهاء، الديكتاتوريون ضد المقموعين، الظالمون ضد المظلومين؟ أم معظم الشعب ضد الطبقة الفاسدة وحزبها الديكتاتوري، جلاد الأزمنة السوداء؟ لا يبدو من التعيينات أننا قمنا بثورة ضد الديكتاتورية، لذلك تعود لنا الديكتاتورية اليوم، وإمعانا في السخرية منا فإنها تؤدي القسم !!! ارحلوا فنحن لا نريدكم. ارحلوا وخذوا قسمكم معكم فلا ثقة لنا فيكم. أردنا صادقين أن نرى فيما تفعلون وتدبرون بعض الإيجابيات ولكنكم كنتم تتكفلون دائما بتخييب ظننا، فشكرا لكم لكل الماء البارد الذي تسكبونه علينا كلما راودنا نعاس.
- أية تونس تعدونها لنا؟ هل هي تونس التي نريد أم تونس التي تريدون؟ لأنه بات واضحا أن ما تريدون هو غير ما نريد تماما، بل ربما عكس ما نريد تماما. هل تريدون انتقالا ديمقراطيا حقيقيا، أم شبه انتقال يحفظ للمستبدين والفاسدين مصالحهم؟ إلى أي شيء تخططون وماذا تريدون؟ تونس قديمة خاضعة مستبد بها، وشعب يقبل بكل الأطباق الباردة والمتعفنة التي تقدمونها له ؟ ليس بعد اليوم وقد قررنا أن نكون بشرا لا سوائم. ليس بعد اليوم وقد اتضح لنا أنكم لا تريدون حفظ الدولة كما تقولون، بل حفظ النظام. لا ثقة لنا فيكم مهما أردنا أن نقنع نفسنا بالعكس، لأن أفعالكم تكذب أقوالكم كل يوم ألف مرة. سعدنا بالإطاحة برؤوس الفساد وزبانية الديكتاتور في الداخلية، فصعقتمونا بقائمة ولاة أربعة أخماسهم من رماد العهد البائد. خذوهم إلى بيوتكم إذا كانوا نظافا كما يقول بعضكم، ذلك أن مفهومنا للنظافة أصبح مختلفا جدا، بل ومناقضا لمفهومكم. لن يحكمنا من تريدون أن يحكمونا، ولن يسمح الشعب المتحرر بأن يساس بأدوت القهر والفساد من جديد. ذلك أننا قررنا أن نتنفس هواء نقيا، وأن نمشي في أرض محررة، وأن نشرب ماء الكرامة. لن تكونوا ولاة أمرنا بعد اليوم فأمرنا غدا بأيدينا.
عدنان المنصر، مؤرخ، مواطن حر
No comments:
Post a Comment